موقع مفكرة الاسلام

جديد الموقع

كل يوم زهرة تجدها روى أبو داود عن أبي سعيد الخدري قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ذات يوم المسجد فإذا هو برجل من الأنصار يقال له: أبو أمامة، فقال يا أبا أمامة: ما لي أراك جالساً في المسجد في غير وقت الصلاة ؟ قال: هموم لزمتني وديون يا رسول الله، قال: أفلا أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى عنك دينك؟ قال: قلت بلى يا رسول الله، قال: قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، قال: ففعلت ذلك فأذهب الله عز وجل همي وقضى عني ديني.

رسالة ترحيب

فلاش اثارة

الثلاثاء، أبريل 19، 2011

كيف تطوير ذاتك في فن التعامل مع الآباء والأمهات (الجزء الثاني)




حياكم الله فى ...كيف تطوير ذاتك في فن التعامل مع الآباء والأمهات (الجزء الأول)





الفصل الثاني

القواعد المُثلى للتعامل مع الوالدين بالحُسنى


القاعدة الأولى:

اعلم يقيناً أن بر الوالدين من أعظم وأيسر وأقرب الطرق

 الموصلة لرضا الرحمن والفوز بالجنة .

توضيح القاعدة:رضا الله والفوز بالجنة الهدف الأسمى لكل مسلم عاش أو يعيش على هذه الأرض.
كل مؤمن صادق يبذل من وقته وجهده وماله ليفوز بالأمرين العظيمين رضا الله والفوز بالجنة.
يقوم ليالي الشتاء ويصوم أيام الهواجر ...
يطلب العلم ويحفظ القرآن ...
يُنفق ماله ويُحسن إلى الناس...
يصبر على الأذى ولا يؤذي المسلمين...
بل يذهب للجهاد في سبيل الله بنفسه وماله ولا يرجع من ذلك بشيء...
كل هذه الأعمال العظيمة وغيرها ليفوز برضا الله وجنته وينجو من عذابه وعقوبته !
تخيل أنك سرت لمسافة مائة كيلو لشراء غرض ما ،مع أنه بالقرب من بيتك متجر يبيع أجود من هذا الغرض وبسعر أقل !
ألا تتألم لذلك عندما تعلم به !
الوالدان يعيشان معنا بالقرب منا ،نستطيع برهما والإحسان إليهما بجهد أقل من قيامنا ببعض الأعمال الصالحة ؛لكن الكثير منا يغفل عن هذا الجانب
 وللأسف .

عن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالت قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم     (نِمْتُ فرأيتني في الْجَنَّةِ فَسَمِعْتُ صَوْتَ قارئ يَقْرَأُ فقلت من هذا فَقَالُوا هذا حَارِثَةُ بن النُّعْمَانِ فقال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  كَذَلِكَ الْبِرُّ كَذَلِكَ الْبِرُّ وكان أَبَرَّ الناس بِأُمِّهِ ) رواه الإمام أحمد في المسند وصححه الحاكم والذهبي.
وعن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو قال جاء رَجُلٌ إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  يَسْتَأْذِنُهُ في الْجِهَادِ فقال :(أَحَيٌّ وَالِدَاكَ قال نعم قال فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ )متفق عليه.
قال الإمام النووي رحمه الله :( هذا كله دليل لعظم فضيلة برهما وأنه آكد من الجهاد ).
عن مُعَاوِيَةَ بن جَاهِمَةَ السُّلَمِيِّ قال أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ :(إني كنت أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ قال وَيْحَكَ أحيه أُمُّكَ قلت نعم قال ارْجِعْ فَبَرَّهَا ثُمَّ أَتَيْتُهُ من الْجَانِبِ الْآخَرِ فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ إني كنت أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ قال وَيْحَكَ أحيه أُمُّكَ قلت نعم يا رَسُولَ اللَّهِ قال فَارْجِعْ إِلَيْهَا فَبَرَّهَا ثُمَّ أَتَيْتُهُ من أَمَامِهِ فقلت يا رَسُولَ اللَّهِ إني كنت أَرَدْتُ الْجِهَادَ مَعَكَ أَبْتَغِي بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ قال وَيْحَكَ أحية أُمُّكَ قلت نعم يا رَسُولَ اللَّهِ قال وَيْحَكَ الْزَمْ رِجْلَهَا فَثَمَّ الْجَنَّةُ ) رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وعن عبد اللَّهِ بن مسعود قال سَأَلْتُ النبي  صلى الله عليه وسلم  أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إلى اللَّهِ قال :(الصَّلَاةُ على وَقْتِهَا قلت ثُمَّ أَيٌّ قال ثم بِرُّ الْوَالِدَيْنِ قلت ثُمَّ أَيٌّ قال الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ حدثني بِهِنَّ وَلَوْ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي ) متفق عليه.
وهذه الأحاديث تدل دلالة صريحة على عظم منزلة البر وأنه من أقرب الطرق الموصلة إلى رضا الرحمن والجنة .


  
القاعدة الثانية: 

اعلم يقيناً أن بر الوالدين من أعظم وأيسر وأقرب الطرق لتحقيق السعادة
 والنجاح في الدنيا.

توضيح القاعدة:كل عاقل يبحث عن تحقيق السعادة والنجاح في حياته الدنيا .
لكن كثير من الناس لا يعرف طريق النجاح ؛فلا يتحقق له ذلك لعدم سيره في الطريق الصحيح.
والسعادة والنجاح في الدنيا لها وسائل وأسباب لتحقيقها ؛فمن فعل أسباب السعادة والنجاح سعد ونجح بإذن الله.
ومن أعظم أسباب السعادة والنجاح في الدنيا بر الوالدين ؛فالوالدان عندما يريان من ابنهما البر والرحمة والشفقة عليهما والإحسان بهما ؛تلهج ألسنتهما بالدعاء له ليل نهار ،فكلما ارتفعت أكفهما بالدعاء كان لهذا الابن البار أكبر الحظ والنصيب من دعاؤهما .
هذا الدعاء مظِنة الإجابة بإذن الله.
عن حزم ابن مهران قال سمعت رجلاً سأل الحسن فقال يا أبا سعيد ما تقول في دعاء الوالد لولده ؟ ؛قال: نجاة وقال بيده هكذا كأنه يرفع شيئاً من الأرض ؛قال فما دعاؤه عليه ، قال: استئصال ،وقال بيده كأنه يخفض شيئا.
بل إن كثيراً من الأبناء يُقسم بالله العظيم أيماناً مغلظة أنه ما عرف التوفيق
والنجاح إلا منذ أن بر والديه.
وقد تكون طاعة الوالدين في أحنك الظروف راحة وطمأنينة للولد ؛فهذا عبدالله بن الزبير رضي الله عنه ؛لما حاصره الحجاج في مكة وتخلى عنه الناس دخل على أُمِّه أسماءَ وهي شاكية فقال لها إن الموت لراحة فقالت له لعلك تَمَنَّيْتَهُ لي ما أُحِبُّ أن أموتَ حتى يأتيَ على أحد طَرَفَيْك إما قُتِلتَ فَأَحتسبك وإما ظَفِرت بعدوك فتَقَرّ عيني فضحك .
فلما كان اليوم الذي قُتِل فيه دخل عليها فقالت له يا بني لا تقبلن منهم خُطَّة تخاف فيها على نفسك الذل مخافةَ القتل فوالله لضربةٌ بسيف في عِزٍ خيرٌ من ضربةٍ بسوطٍ في ذُلٍ .
فاستبشر عبدالله بكلام أمه رضي الله عنهما ؛وقتل في ذلك اليوم.

  

القاعدة الثالثة:

كل أمر يسعد والديك ولا يغضب ربك فلا تتوانى في فعله .

أمر الله سبحانه وتعالى بالإحسان إلى الوالدين ،ومن أعظم الإحسان لهما طاعتهما ؛لكن هذه الطاعة إنما تجب مالم تكن في معصىة الله.
وقد أدرك السلف الصالح هذا المعنى العظيم في فعل كل ما يسعد والديهم ولا يغضب ربهم.
عن محمد بن سيرين قال كانت النخلة تبلغ بالمدينة ألفاً فعمد أسامة بن زيد إلى نخلة فقطعها من أجل جمارها فقيل له في ذلك فقال إن أمي اشتهته علي وليس شيء من الدنيا تطلبه أمي أقدر عليه إلا فعلته .
وكان الإمام أبو حنيفة باراً بوالديه ، وكان يدعو لهما ويستغفر لهما ،  يقول عن نفسه : " ربما ذهبتُ بها إلى مجلس عمر بن ذر ، وربما أمرتني أن أذهب إليه وأسأله عن مسألة فآتيه وأذكرها له ، وأقول له : إن أمي أمرتني أن أسألك عن كذا وكذا ، فيقول : أو مثلك يسألني عن هذا ؟! ، فأقول : هي أمرتني ، فيقول : كيف هو الجواب حتى أخبرك ؟ ، فأخبره الجواب ، ثم يخبرني به ، فأتيها وأخبرها بالجواب ، وفي مرة استفتتني أمي عن شيء ، فأفتيتها فلم تقبله ، وقالت : لا أقبل إلا بقول زرعة الواعظ ، فجئت بها إلى زرعة وقلت له : إن أمي تستفتيك في كذا وكذا ، فقال : أنت أعلم وأفقه ، فأفتها . فقلت : أفتيتها بكذا ، فقال زرعة : القول ما قال أبو حنيفة فرضيت وانصرفت.
فرحم الله الإمام الفقيه أبا حنيفة ؛لم يقل أذهب إلى رجل أقل مني علماً حتى أسأله ؛ماذا سيقول الناس عني ؟
بل ذهب بكل بساطة ،وقد عرف له القوم قدره ،فطلبوا منه الإجابة حتى يعيدوها عليه لترضى أمه.
إن الوالدين ينظران إلى ابنهما مهما على قدره وارتفعت منزلته ،على أنه ذلك الطفل الذي يأمرانه وينهيانه وهما أعلم بمصلحته من نفسه ويتعاملان معه في غالب الأحوال انطلاقاً من هذه النظرة .
فدعونا كأبناء نتقبل هذه النظرة من والدينا ،ولا يقل أحدنا أنا العالم  الفقيه أو الطبيب الحاذق أو المهندس البارع أو المسئول الكبير  ؛ثم ينتظر أن يتعامل معه والديه من خلال رؤيته لنفسه أرؤية المجتمع له .
لا يا أخي الكريم إن للوالدين نظرة خاصة فلنقبلها .
كان حيوة بن شريح يقعد في حلقته يعلّم الناس ، فتقول له أمه : " قم يا حيوة ، فألق الشعير للدجاج ، فيترك حلقته ويذهب لفعل ما أمرته أمّه به.
فرحمه الله ففعله فعل العلماء الربانيين ؛يترك حلقته وكتبه وطلابه ،لماذا ؟
ليلقي الشعير للدجاج !
القاعدة الرابعة: كل أمر يحزن والديك ويغضبهم ولم يوجبه ربك فاجتنبه.
عن مُعَاذٍ قال أوصاني رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  بِعَشْرِ كَلِمَاتٍ قال لاَ تُشْرِكْ بِاللَّهِ شَيْئاً وَإِنْ قُتِلْتَ وَحُرِّقْتَ وَلاَ تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ من أَهْلِكَ وَمَالِكَ وَلاَ تَتْرُكَنَّ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّداً فإن من تَرَكَ صَلاَةً مَكْتُوبَةً مُتَعَمِّداً فَقَدْ بَرِئَتْ منه ذِمَّةُ اللَّهِ وَلاَ تَشْرَبَنَّ خَمْراً فإنه رَأْسُ كل فَاحِشَةٍ وَإِيَّاكَ وَالْمَعْصِيَةَ فإن بِالْمَعْصِيَةِ حَلَّ سَخَطُ اللَّهِ عز وجل وَإِيَّاكَ وَالْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ وَإِنْ هَلَكَ الناس وإذا أَصَابَ الناس مُوتَانٌ وَأَنْتَ فِيهِمْ فَاثْبُتْ وَأَنْفِقْ على عِيَالِكَ من طَوْلِكَ وَلاَ تَرْفَعْ عَنْهُمْ عَصَاكَ أَدَباً وَأَخِفْهُمْ في اللَّهِ )رواه الإمام أحمد في المسند.
والشاهد في هذا الحديث قوله: (وَلاَ تَعُقَّنَّ وَالِدَيْكَ وَإِنْ أَمَرَاكَ أَنْ تَخْرُجَ من أَهْلِكَ وَمَالِكَ ).
قلت :لو تخيلنا شخص يأمره والداه بأن يطلق زوجته ويترك ماله وهو مع هذا مأمور بعدم عقوق والديه حتى في هذه الصورة .
عن عبدالله بن عُمَرَ قال:( كانت تَحْتِي امْرَأَةٌ أُحِبُّهَا وكان أبي يَكْرَهُهَا فَأَمَرَنِي أبي أَنْ أُطَلِّقَهَا فَأَبَيْتُ فَذَكَرْتُ ذلك لِلنَّبِيِّ  صلى الله عليه وسلم  فقال يا عَبْدَ اللَّهِ بن عُمَرَ طَلِّقْ امْرَأَتَكَ ) رواه الترمذي وحسنه الألباني.
قال المباركفوري في تحفة الأحوذي : فيه دليل صريح يقتضي أنه يجب على
الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها وإن كان يحبها فليس ذلك عذرا له في الإمساك ويلحق بالأب الأم لأن النبي  صلى الله عليه وسلم  قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب .
بل قال تعالى:           ﭡﭢ                       ﭬ ﭭﭮ                     العنكبوت: ٨ .
فأمر الله الولد في حالة دعوة والديه له ليشرك بربه بعدم طاعتهما فقط   فلم يأمره بهجرهما ولا قتالهما ولا عقوقهما !
بل إن سبحانه وتعالى أمره في الآية الأخرى بمصاحبتهما في الدنيا معروفا
قال تعالى:                          ﮔﮕ        ﮙﮚ           ﮟﮠ                      لقمان: ١٥ .
قال القرطبي رحمه الله:والآية دليل على صلة الأبوين الكافرين بما أمكن من المال إن كانا فقيرين ،وإلانة القول والدعاء إلى الإسلام برفق وقد قالت أسماء بنت أبي بكر الصديق للنبي عليه الصلاة والسلام وقد قدمت عليها خالتها وقيل أمها من الرضاعة فقالت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها ؛ قال :  نعم .
قال السعدي رحمه الله:أي صحبة إحسان إليهما بالمعروف وأما أتباعهما وهما بحالة الكفر والمعاصي فلا تتبعهما  .
وسبب نزول هذه الآية مارواه مسلم عن مُصْعَب بن سَعْدٍ عن أبيه أَنَّهُ قال نَزَلَتْ في آيَاتٌ من الْقُرْآنِ قال حَلَفَتْ أُمُّ سَعْدٍ أَنْ لَا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حتى يَكْفُرَ بِدِينِهِ ولا تَأْكُلَ ولا تَشْرَبَ ؛قالت زَعَمْتَ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيْكَ وأنا أُمُّكَ وأنا آمُرُكَ بهذا قال مَكَثَتْ ثَلَاثًا حتى غُشِيَ عليها من الْجَهْدِ فَقَامَ ابن لها يُقَالُ له عُمَارَةُ فَسَقَاهَا فَجَعَلَتْ تَدْعُو على سَعْدٍ فَأَنْزَلَ الله عز وجل في الْقُرْآنِ هذه الْآيَةَ...  ).
قال مجاهد - رحمه الله - : (لا ينبغي للولد أن يدفع يد والده إذا ضربه، ومن شد النظر إلى والديه لم يبرهما، ومن أدخل عليهما ما يحزنهما فقد عقهما) .
 وسئل كعب الأحبار عن العقوق فقال: (إذا أمرك والداك بشيء فلم تطعمهما، فقد عققتهما العقوق كله) .


القاعدة الخامسة:

لا تقدم عليهما أحداً كائناً من كان.

قال تعالى:             ﮜﮝ                                         ﮯﮰ                     النساء: ٣٦ .
قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم :جمع الله تعالى في هذه الآية بين ذكر حقه على العبد وحقوق العباد على العباد أيضاً ؛ وجعل العباد الذين أمر بالإحسان إليهم خمسة أنواع أحدها من بينه وبين الإنسان قرابة وخص منهم الوالدين بالذكر لامتيازهما عن سائر الأقارب بما لا يشركونهما فيه فإنهما كانا السبب في وجود الولد ولهما حق التربية والتأديب وغير ذلك...الخ.
وليس المقصود  التقديم بالكلام فقط ؛فبعض الأبناء يزعم أنه لا يقدم أحداً على والديه بلسانه ؛ولكن أفعاله تخالف ذلك .
فإذا طلبت منه أمه طلباً يتعارض مع موعد أصدقائه ،قدم موعد أصدقائه ومن الأبناء من يحاول أن يعتذر لامه بطريقة حسنة ومنهم من يذهب إلى موعد أصدقائه ولا يبالي .
ولعل عدم تقديم أحد على الوالدين ولو كانوا أبناء الإنسان وزوجته  واضح في قصة الثلاثة النفر الذين آواهم المبيت إلى غار فسقطت صخرة فصكت مدخل الغار ؛فقال أحدهما بعد اتفقوا أن يدعوا الله بصالح إعمالهم: فقال أَحَدُهُمْ اللهم إنه كان لي وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِي ولي صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عليهم فإذا أَرَحْتُ عليهم حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَيَّ فَسَقَيْتُهُمَا قبل بني وَأَنَّهُ نَأَى بِي ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فلم آتِ حتى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قد نَامَا فَحَلَبْتُ كما كنت أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلَابِ فَقُمْتُ عِنْدَ رؤوسهما أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا من نَوْمِهِمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أسقى الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَيَّ فلم يَزَلْ ذلك دَأْبِي وَدَأْبَهُمْ حتى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أني فَعَلْتُ ذلك ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لنا منها فُرْجَةً نَرَى منها السَّمَاءَ فَفَرَجَ الله منها فُرْجَةً فَرَأَوْا منها السَّمَاءَ... )متفق عليه.
أما أن ندعي بألستنا عدم تقديم أحد على والدينا وأفعالنا تخالف ذلك فهذا أمر يحتاج إلى إعادة نظر !
يريد منه والده أن يرافقه إلى مناسبة معينة ،ويريد أصحابه أن يأتيهم في الاستراحة ؛فيذهب ويترك أباه !
ويقول أنا لا أقدم أحداً على والدي !
تريد منه أمه أن يذهب بها إلى خالته وتريد منه زوجته أن يذهب بها إلى السوق فيختلق الأعذار حتى تؤجل أمه زيارة خالته !
ويقول أنا لا أقدم أحداً على والدي !
هل يضحك على نفسه أم على والديه أم على الناس ؟
القاعدة السادسة: تذكر دائماً ما سبق من إحسانهما.
قال تعالى :       ﭔﭕ                ﭚﭛ        ﭟﭠ                                                         ﭺﭻ           ﭿ        الأحقاف: ١٥
وقال تعالى:                     ﭿ                      لقمان: ١٤ .
في هذه الآيات يُذكر الله الإنسان ما سبق من إحسان أمه به ؛كيف أنها حملته كرهاً ووضعته كرهاً ؛وفي الآية جاء التعبير القراني الكريم بحملته وهناً على وهن.
روى الطبراني في المعجم الأوسط عن جابر بن عبد الله قال جاء رجل إلى النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال يا رسول الله إن أبي أخذ مالي فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم  للرجل اذهب فائتيني بابيك فنزل جبريل على النبي  صلى الله عليه وسلم  فقال إن الله يقرئك السلام ويقول إذا جاءك الشيخ فسله عن شيء قاله في نفسه ما سمعته أذناه فلما جاء الشيخ قال له النبي  صلى الله عليه وسلم  ما زال ابنك يشكوك أنك تأخذ ماله قال سله يا رسول الله هل أنفقه إلا على إحدى عماته أو خالاته أو على نفسي فقال النبي  صلى الله عليه وسلم  إيه دعنا من هذا أخبرني عن شيء قلته في نفسك ما سمعته أذناك قال الشيخ والله يا رسول الله ما يزال الله يزيدنا بك يقينا قلت في نفسي شيئا ما سمعته أذناي قال قل وأنا أسمع قال قلت
غذوتك مولودا ومنتك يافعا 
                                                          تعل بما أجني عليك وتنهل 
إذا ليلة ضافتك بالسقم لم أبت 
                                                         لسقمك إلا ساهرا أتململ 
تخاف الردى نفسي عليك وإنها 
                                                      لتعلم أن الموت وقت مؤجل 
كأني أنا المطروق دونك بالذي 
                                                  طُرقت به دوني فعيناي تهمل 
فلما بلغت السن والغاية التي 
                                                إليها مدى ما فيك كنت أومل 
جعلت جزائي غلظة وفظاظة 
                                                      كأنك أنت المنعم المتفضل 
فليتك إذ لم ترع حق أبوتي
                                                  فعلت كما الجار المجاور يفعل 
قال فعند ذلك أخذ النبي  صلى الله عليه وسلم  بتلابيب ابنه وقال:( أنت ومالك لأبيك ).
فتذكر أخي الكريم دائماً ما سبق من إحسان والديك ؛تذكر ما تحملته أمك من التعب والأذى ،تذكر ما تحمله أبوك من السهر وما أنفقه من أموال من أجلك .
فهل تجازيهم بالعقوق بعد أن كبر سنهما ورق عظمهما ؟
أما هل تجعلهم يعيشون على شفقة المشفقين وإحسان المحسنين ،وأنت حي تُرزق !
وآسفا على ولد هذا جزاء والديه لديه !


القاعدة السابعة:

لا تسمع لأحد فيهما

بعض الأبناء يحب والديه حباً عظيماً ،ويحاول أن يحسن إليهما غاية الإحسان ؛لكنه يقع بدون أن يشعر تحت تأثيرات تجعله يتصرف مع والديه تصرفات أهل العقوق.
بعض الزوجات وبعض الأزواج أيضاً كل منهما يريد أن يستأثر بالآخر وهذا في جانب النساء أكبر ؛فتحاول أن تختلق المواضيع التي تجعل الابن لا يحبذ الذهاب إلى والديه.
فتشكك زوجها في حب والديه لأبنائه ؛وتخبره أنهما يقدمان أبناء أخيك فلان أو أختك فلانة على أبنائنا !
وفي بعض الأحيان قد تقول له إن أمك لا تحبني وتذكر أهلي بسوء وتسوق هذا الكلام وهي غارقة في موجة عنيفة من البكاء.
هذا بلا شك يجعل في نفس الابن شعور سيء تجاه والديه ،ومع مرور الأيام وتكرار مثل هذا الكلام يزداد ذلك الشعور السيئ في نفس هذا الابن مما قد ينتج عنه تصرفات أو كلام أو نظرات عقوق .
 وكما أن هذا الكلام قد يُنقل من الزوجة ؛فإنه قد يُنقل في أحيان أخرى من الأبناء ،فيكثرون الشكوى من أجدادهم وجداتهم ،ويتهمونهم بتقديم ابن فلان وبنت فلانة علينا ،ولا يرغبون في زيارتنا لهم ،ودائماً ما يقومون بضربنا وتوبيخنا بدون أدنى سبب !
إن العلاج الأمثل لهذا الأمر ،هو عدم الاستماع لأي كلام يُنقل لك بسوء عن والديك وخصوصاً من زوجتك وأبنائك .
ثم لنفرض أنهم يقدمان أبناء أخيك أو أختك على أبنائك،فقد يكون ذلك بسبب برهم واحترامهم لهما !
ونحن عندما نطالب والدينا بالعدل في هذا الجانب الذي لا يجب عليهم العدل فيه ؛فهل عدلنا نحن بين أبنائنا مع أن هذا العدل واجب علينا ؟
ثم ألا يستحق إحسان والدينا معنا في كل الأمور أن نغض الطرف عنهما إن بدر منهما قصور في حقنا.

  

القاعدة الثامنة :

نجاحك نجاح لوالديك

بعض الناس صاحب همة عالية وطموح بلا حدود ،يحب النجاح ويعشق  التحدي ،يعيش حياته مع الانجازات ؛ يريد أن يأتي كل يوم بجديد مفيد ود  لو استطاع أن يحقق في كل ساعة انجاز .
فهل استشعر هذا البطل أن نجاحه نجاح لوالديه ،وأن من أعظم ما يدخل السرور على قلوب الآباء والأمهات تميز أبنائهم.
عن عبد اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  قال:( إِنَّ من الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ حَدِّثُونِي ما هِيَ فَوَقَعَ الناس في شَجَرِ الْبَادِيَةِ وَوَقَعَ في نَفْسِي أنها النَّخْلَةُ قال عبد اللَّهِ فَاسْتَحْيَيْتُ فَقَالُوا يا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بها فقال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  هِيَ النَّخْلَةُ قال عبد اللَّهِ فَحَدَّثْتُ أبي بِمَا وَقَعَ في نَفْسِي فقال لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إلي من أَنْ يَكُونَ لي كَذَا وَكَذَا ) متفق عليه.
قال ابن حجر في فتح الباري :(ووجه تمنى عمر رضي الله عنه ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره وليزداد من النبي  صلى الله عليه وسلم  حظوة ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم ).
قال النووي رحمه الله :(وفيه سرور الإنسان بنجابة ولده وحسن فهمه ).
فكيف لو أن أحدنا جعل من النوايا الصالحة التي يرجوها عند  تحقيق
النجاح وتقديم المفيد إدخال السرور على والديه.
لا شك أنه بذلك سيتحقق له أجور عظيمة بإذن الله تعالى .
ولذلك أوصي الطلاب المتميزين أن يجعلوا هذه النية الصالحة حاضرة في دراستهم وطلبهم للعلم.
بل يقال إن كل شخص لا يريد أن يفضله أحد إلا ابنه .
فإذا لم نكن نعشق النجاح ولا نهتم بالتميز ؛فلنعشقه من أجل إدخال السرور على قلوب آبائنا وأمهاتنا  .

  

القاعدة التاسعة :

 كما تدين تدان .

قال تعالى :              الرحمن: ٦٠ .
وقال تعالى :       ﮯﮰ             ﯗﯘ               الشورى: ٤٠ .
عن أبي بَكْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم:( ما من ذَنْبٍ أَجْدَرُ أَنْ يُعَجِّلَ الله تَعَالَى لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ في الدُّنْيَا مع ما يَدَّخِرُ له في الْآخِرَةِ مِثْلُ الْبَغْيِ وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ ) رواه الترمذي وأبو داود وصححه الألباني.
وأي رحم أقرب من الوالدين !
بل جاء في الصحيحين عن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال:( إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الْخَلْقَ حتى إذا فَرَغَ منهم قَامَتْ الرَّحِمُ فقالت هذا مَقَامُ الْعَائِذِ من الْقَطِيعَةِ قال نعم أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ من وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ من قَطَعَكِ قالت بَلَى قال فَذَاكِ لَكِ ثُمَّ قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم  اقرؤوا إن شِئْتُمْ   ﭿ                                                         
 محمد: ٢٢ ٢٤
فكما أن من يبر والديه سيبره أبنائه بإذن الله ؛فإن من يعق والديه سيعقه أبنائه إلا أن يشاء الله .
فعلينا أن نستحضر هذا الأمر في أذهاننا ليل نهار عندما نتعامل مع آبائنا وأمهاتنا ؛فمن لم تدعه رحمة والديه والوفاء بحقهما إلى برهما والإحسان إليهما؛فليدفعه خوفه من عقوق أبنائه وانتصار ربه لوالديه منه على يد أبنائه ؛كما هو واقع ومشاهد ومعلوم.
هذه قصة يرويها أحد بائعي المجوهرات يقول : دخل عليه في المحل رجل وزوجته وخلفه أمه العجوز وتحمل ولده الصغير..
يقول أخذت زوجته تشتري من المحل وتشتري من الذهب ..
فقال الرجل للبائع : كم حسابك ؟
قال البائع : عشرون ألف ومائة ..
فقال الرجل : ومن أين جاءت المائة..
قال : أمك العجوز اشترت خاتماً بمئة ريال ..فأخذ ابنها الخاتم ورماه للبائع وقال : العجائز ليس لهن ذهب ..
ثم لما سمعت العجوز هذا الكلام بكت وذهبت إلى السيارة ..
فقالت زوجته : ماذا فعلت ؟ ماذا فعلت لعلها لا تحمل ابنك بعد هذا ؟ عياذاً بالله كأنها خادمة عندهم ..
فعاتبه بائع المجوهرات .. فذهب الرجل إلى السيارة وقال لأمه : خذي الذهب الذي تريدين . خذي الخاتم إن أردت ..
فقالت أمه : لا والله .. لا أريده .. والله لا أريد الخاتم ولكني أريد ان أفرح بالعيد كما يفرح الناس فقتلت سعادتي سامحك الله )
موسوعة القصص الواقعية على الإنترنت .
فماذا ينتظر هذا الابن والعياذ بالله من أبنائه في المستقبل ؟
وهذا رجل كبر أبوه.. فأخذه على دابة ( جمل ) إلى وسط الصحراء ،فقال أبوه : يا بني أين تريد أن تأخذني .
فقال الابن : لقد مللتك وقد سئمتك .
قال الأب : وماذا تريد ؟ .
قال : أريد أن أذبحك لقد مللتك يا أبي ..
فقال الأب : إن كنت ولا بد فاعلاً فاذبحني عند تلك الصخرة .
فقال الابن : ولمَ يا أبي ؟.
قال الأب : فإني قد قتلت أبي عند تلك الصخرة فاقتلني عندها فسوف ترى من أبنائك من يقتلك عندها ! )
موسوعة القصص الواقعية على الإنترنت .

  

القاعدة العاشرة: 

احذر دعاؤهما عليك

عن أبي هُرَيْرَةَ عن النبي  صلى الله عليه وسلم  قال :(لم يَتَكَلَّمْ في الْمَهْدِ إلا ثَلَاثَةٌ عِيسَى بن مَرْيَمَ وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ وكان جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَانَ فيها فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وهو يصلى فقالت يا جُرَيْجُ فقال يا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَأَقْبَلَ على صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَتْ فلما كان من الْغَدِ أَتَتْهُ وهو يصلى فقالت يا جُرَيْجُ فقال يا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَأَقْبَلَ على صَلَاتِهِ فَانْصَرَفَتْ فلما كان من الْغَدِ أَتَتْهُ وهو يُصَلِّي فقالت يا جُرَيْجُ فقال أَيْ رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَأَقْبَلَ على صَلَاتِهِ فقالت اللهم لَا تُمِتْهُ حتى يَنْظُرَ إلى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَتْ امْرَأَةٌ بغي يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا فقالت إن شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ قال فَتَعَرَّضَتْ له فلم يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا فَأَتَتْ رَاعِيًا كان يَأْوِي إلى صَوْمَعَتِهِ فَأَمْكَنَتْهُ من نَفْسِهَا فَوَقَعَ عليها فَحَمَلَتْ فلما وَلَدَتْ قالت هو من جُرَيْجٍ فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ فقال ما شَأْنُكُمْ قالوا زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ فقال أَيْنَ الصَّبِيُّ فجاؤوا بِهِ فقال دَعُونِي حتى أصلى فَصَلَّى فلما انْصَرَفَ أتى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ في بَطْنِهِ وقال يا غُلَامُ من أَبُوكَ قال فُلَانٌ الرَّاعِي قال فَأَقْبَلُوا على جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ وَقَالُوا نَبْنِي لك صَوْمَعَتَكَ من ذَهَبٍ قال لَا أَعِيدُوهَا من طِينٍ كما كانت فَفَعَلُوا ...الحديث )متفق عليه.
فجريج على ما كان منه من العبادة والاجتهاد لم تخطئه دعوة أمه ؛فكيف بمن هو قليل العبادة والاجتهاد كثير العقوق والعناد .
كيف بمن يأخذ أمه بلا رحمة ولا رأفة ليرم بها في دار العجزة .
كيف بمن يقسم أيماناً مغلظة على أبيه بأن لا يدفع له ريالاً واحداً .
كيف بمن يتوسل إليه والديه أن يقف مع أخيه أو أخته ؛فلا يقيم لهذا التوسل مقاماً ولا يقدر له قدراً !
وإذا كان دعاء الوالدين لولدهما أساس التوفيق والنجاح ؛فإن دعاؤهما عليه أساس الخذلان والخسران .
عن أبي هُرَيْرَةَ قال قال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم :( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ على وَلَدِهِ ) رواه الترمذي وغيره.
ذكر ابن قدامة رحمه الله في كتابه التوابين (ص:239):عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال بينما أنا أطوف مع أبي حول البيت في ليلة ظلماء وقد رقدت العيون وهدأت الأصوات إذ سمع أبي هاتفا يهتف بصوت حزين شجي وهو يقول:
 يا من يجيب دعا المضطر في الظلم 
                                                         يا كاشف الضر والبلوى مع السقم 

قد نام وفدك حول البيت وانتبهوا 
                                                                      وأنت عينك يا قيوم لم تنم 
هب لي بجودك فضل العفو عن جرمي 
                                                               يا من إليه أشار الخلق في الحرم 
   إن كان عفوك لا يدركه ذو سرف 
                                                               فمن يجود على العاصين بالكرم 
قال فقال أبي يا بني أما تسمع صوت النادب لذنبه المستقيل لربه الحقه فلعل أن تأتيني به فخرجت أسعى حول البيت أطلبه فلم أجده حتى انتهيت إلى المقام وإذا هو قائم يصلي فقلت أجب ابن عم رسول الله  صلى الله عليه وسلم  فأوجز في صلاته واتبعني فأتيت أبي فقلت هذا الرجل يا أبت فقال له أبي ممن الرجل قال من العرب قال وما اسمك قال منازل بن لاحق قال وما شأنك وما قصتك قال وما قصة من أسلمته ذنوبه وأوبقته عيوبه فهو مرتطم في بحر الخطايا فقال له أبي علي ذلك فاشرح لي خبرك قال كنت شابا على اللهو والطرب لا أفيق عنه وكان لي والد يعظني كثيرا ويقول يا بني احذر هفوات الشباب وعثراته فإن لله سطوات ونقمات ما هي من الظالمين ببعيد وكان إذا ألح علي بالموعظة ألححت عليه بالضرب فلما كان يوم من الأيام ألح علي بالموعظة فأوجعته ضربا فحلف بالله مجتهدا ليأتين بيت الله الحرام فيتعلق بأستار الكعبة ويدعو علي فخرج حتى انتهى إلى البيت فتعلق بأستار الكعبة وأنشأ يقول:

 يا من إليه أتى الحجاج قد قطعوا 
                                                             عرض المهامه من قرب ومن بعد 
إني أتيتك يا من لا يخيب من 
                                                              يدعوه مبتهلاً بالواحد الصمد 
هذا منازل لا يرتد عن عققي 
                                                               فخذ بحقي يا رحمان من ولدي 
وشل منه بحول منك جانبه 
                                                                يا من تقدس لم يولد ولم يلد 
قال فوالله ما استتم كلامه حتى نزل بي ما ترى ثم كشف عن شقه الأيمن فإذا هو يابس قال فأبت ورجعت ولم أزل أترضاه وأخضع له وأسأله العفو عني إلى أن أجابني أن يدعو لي في المكان الذي دعا علي قال فحملته على ناقة عشراء وخرجت أقفو أثره حتى إذا صرنا بوادي الأراك طار طائر من شجرة فنفرت الناقة فرمت به بين أحجار فرضخت رأسه فمات فدفنته هناك وأقبلت آيسا وأعظم ما بي ما ألقاه من التعيير أني لا أعرف إلا بالمأخوذ بعقوق والديه فقال له أبي أبشر فقد أتاك الغوث فصلى ركعتين ثم أمره فكشف عن شقه بيده ودعا له مرات يرددهن فعاد صحيحا كما كان وقال له أبي لولا أنه قد كان سبقت إليك من أبيك في الدعاء لك بحيث دعا عليك لما دعوت لك قال الحسن وكان أبي يقول لنا احذروا دعاء الوالدين فإن في دعائهما النماء والانجبار والاستئصال والبوار .

         

               يتبع الموضوع فى الجزء الثالث بأذن الله


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق