سحائب المغفرة ؟
لنعش مع الكلمات المؤثرة فى الجزء الثاني
أيها الأحبة في الله:
من بيننا وبين الله؟ من الذي بيننا وبين ربنا؟
ليس بيننا وبين الله أحد، ليس بيننا وبين الله ترجمان ولا حجاب ولا جن ولا إنسان، يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار.
يناديه العبد بالذنب لا يعلمه إلا هو سبحانه الرب، فيستره ويرحمه في الدنيا والآخرة.
عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال:
إن الله يدني العبد يوم القيامة ثم يلقي عليه كنفه ثم يكون في ستر لا يسمع ما يقول إلا الله وحده لا شريك له فيقول له:
يا عبدي عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا.
فيقول نعم يا رب.
فيقول عبدي عملت كذا وكذا يوم كذا وكذا.
فيقول نعم يا ربي، حتى إذا كشفت العيوب وكشفت الذنوب، وأشفق العبد على نفسه.
قال الحليم الرحيم، عبدي سترتها عليك في الدنيا وها أنا أسترها عليك اليوم، فيستره الله بستره، ويشمله بعفوه ومغفرته، ويدخله الجنة.
ليس بين العبد وبين الله أحد، لا يستطيع أحد أن يحرمك من رحمة ربك، ولا يستطيع أحد كائن من كان أن يقفل أبواب فضل الله عليك..
اختار الله منك الندم والشجى والحزن والألم على ما سلف وكان من العصيان لكي يشملك بعفوه.
ومن دلائل التوبة النصوح ثلاث علامات.
إذا رزقها الله العبد غفرت ذنوبه، وسترت عيوبه، وزالت عن خطاياه.
أولها وأجلها وأعظمها ندم الجنان.
ثم استغفار اللسان.
ثم الإقلاع وصلاح حال الجوارح والأركان.
فأما ندم القلب والجنان فلا يرزقه الله إلا لعبده الذي يحبه، العبد المرحوم المغفور هو الذي ينكسر قلبه لله، وإذا انكسر قلبه لله عز وجل شمله الله برحمته، وعمه بعفوه ومغفرته.
إذا تحرك الندم في القلوب جاءت رحمة علام الغيوب.
إذا تحرك الندم في القلب فلا يحركه إلا الله، وإذا تحرك الندم في القلب فإنه بشارة لتوبة الله على العبد، يتحرك هذا الندم حينما يحدث الإنسان نفسه، فتلومه نفسه، ويلومه قلبه قائلاً:
ما كان ينبغي أن تقول كذا.
ما كان ينبغي أن تفعل كذا.
ما كان ينبغي أن يكون منك هذا الشيء.
فإذا ندم جنانه تحرك لسان وقال:
ربي أغفر لي، فإذا ندم الجنان وصدق في الندم، ونطق اللسان وبث الحزن والألم فتح الله أبواب السماوات، وصعدت هذا الكلمة: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ).
فإذا قبل الله استغفار العبد، وقبل الله توبته أصلح حاله وجاءت العلامة الثالثة والأمارة الثالثة وهي الإقلاع عن الذنوب والمعاصي ومقتها في جنب الله سبحانه وتعالى.
فإذا جاءت هذه العلامات الثلاث: ندم الجنان، واستغفار اللسان، وصلاح الجوارح والأركان.
فأعلم أن ثم توبة الله على العبد تامة كاملة، فإن كانت الذنوب بين العبد وبين الناس أنطلق إلى أهل الحقوق وأهل المظالم، حركه قلبه، وحركه فؤاده قائلا:
ظلمت أخاك المسلم حينما اغتصبت أرضه.
ظلمت أخاك المسلم حينما سببته وشتمته وانتهكت عرضه.
ظلمت أخاك في ألإسلام حينما ذكرت عيوبه وثلبته.
فيريد أن يذهب لكي يعتذر فيأتيه الشيطان المريد ويقول له:
من أنت حتى تعتذر؟
وكيف تعتذر لفلان، قد ذهب الزمان وأكلت حقه.
والناس تسخر منك،، الناس تقول، الناس تفعل، لا لا تفعل ما لك وماله، فلان أحقر من أن تأتيه، فلان أحقر من أن تسأله العفو والمغفرة عن ما كان منك من إساءة إليه.
فعندها: (يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ).
فيقول أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، اخسأ عدو الله فإنك لن تقف معي بين يدي الله لو اقتص أخي من مظلمته.
فيدحر الشيطان وينطلق بكل شجاعة وإيمان لكي يقف على أخيه المسلم وقد أحاطت به الدنيا من جميع جوانبها تخذله وتخوفه، وإذا به يتشجع ويتجاسر لأنه يخاف الآخرة ويخاف القصاص من رب لا يغفل عن الجِنة والناس، ويأتي إلى أخيه ويقول:
يا أخي ظلمتك في مالك وها أنا أسألك أن تعفو عني.
يا أخي أسأت إليك وأسألك أن تغفر لي.
يا أخي اعتديت حدود الله في أمرك وأسألك أن تصفح عني.
فيقول له أخوه إن كان موفق قد غفرت لك يا أخي.
وإن أمتنع وقال له أريد حقي، قال له سمعا وطاعة، فالدنيا أهون عندي من أن تغضب ربي علي، والدنيا أحقر عندي من أن تحول بيني وبين رحمة الله، فيأتيه بحقه كاملا لا يبالي أرضي الناس أم سخطوا، شاءوا أم أبوا لأنه يريد الفكاك من النار.
يحرك الندم الشعور بالآخرة وتذكر القصاص بالذنوب والمعاصي، وتذكر أن هذا الكون لم يخلق عبثا، وأن هذا الكون لم يوجد سدى.
وما من عبد تائب صادق في توبته، وما من عبد يذنب ويريد أن يصدق في توبته إلا حركه إلى الله خوفه من الآخرة: ( إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خَافَ عَذَابَ الْآخِرَةِ).
من علم أنه سيقف بين يدي الله حافيا عاريا.
وأنه سيقف بين يدي الله لا مال ولا بنون.
وأنه سيقف بين يدي الله لا ينظر الله إلى حسبه ولا إلى نسبه ولا إلى غناه ولا إلى عزه، ولكن ينظر إلى مظالم خلقه عنده فيأمره بأدائها.
فإذا تذكر أن سيقف بين يدي الله، حرص كل الحرص على أن يخرج من الدنيا خفيف الظهر والحمل من الذنوب والمعاصي.
ولذلك كان السلف الصالح، والتابعون لهم بإحسان يخففون من الذنوب ويخففون من الأحمال على ظهورهم:
حضرت الوفاة رجلا صالحا، فأجتمع أبناءه وأولاده فقال:
يا أولادي أسألوا جاري أن يسامحني في حقه.
قالوا وما حق جارنا عندك؟
قال: إني أصبت طعاما في السمن والودك فأردت أن أغسل يدي فحككت جدار جاري فنزل الطين منه فغسلت يدي، فأسالوه أن يسامحني في حقه.
شيء يسير ولكنه عند الله كبير حينما: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ).
يتبع الموضوع فى الجزء الثالث بأذن الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق