سحائب المغفرة ؟
لنعش مع الكلمات المؤثرة الجزء الرابع والأخير
أيها الأحبة في الله:
من سحائب المغفرة التي تُمطر على العبد فيغفر الله بها ذنوبه، ويستر بها عيوبه أن يكون العبد كثير الاستغفار، كثير الإنابة إلى الله الحليم الغفار.
من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا ومن كل ضيق مخرجا ومن كل بلاء عافية.
كان (صلى الله عليه وسلم) يستغفر الله في اليوم أكثر من مئة مرة، وقال أيها الناس توبوا إلى الله فإني أستغفر الله في اليوم أكثر من سبعين مرة.
كثرة الاستغفار باب من أبواب الرحمة.
فاستغفر الله قائما وقاعدا، استغفر الله ذاهبا وراجعا.
إن ذهبت وأنت تطلب رزقك استغفرت الله عند خروجك لأنه ربما حُرم العبد الرزق بسبب الذنب.
وإن رجعت إلى بيتك وأويت إلى أهلك أكثرت من الاستغفار لربك خشيت أن تكون ظلمت أو أست أو أخطأت، فترجع إلى بيتك وأنت مغسول من الذنوب والخطايا.
فأكثر من الاستغفار لله فإن الاستغفار سبب من أسباب الرحمة، ولذلك كان النبي (صلى الله عليه وسلم) يستغفر الله، ويستفتح الصلاة بالاستغفار، ويسأل ربه أن يغسله من الذنوب والخطايا بالماء والثلج والبرد.
ومن علم أن الذنوب شؤمها عظيم، وبلائها وخيم وعاقبتها سيئة:
فكم من ذنب قاد إلى حرمان الرزق.
وكم من ذنب أظلم به القلب.
وكم من ذنب طمست به البصيرة.
وكم من ذنب فسدت به العيال.
وكم من ذنب ذهبت به الأموا.
وكم من ذنب كان سببا في سوء الخاتمة والعياذ بالله وسوء الحال.
الذنوب بريد إلى الكفر، وطريق إلى الكفر، فعلى العبد أن يفر منها إلى أرحم الراحمين، وخير الغافرين، وأن يستيقن أن الله حليم رحيم: من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت من باعا، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة.
ومن الأسباب التي تعين على مغفرة الله للعبد بره لوالديه، وصلته لرحمه، وحسن ظنه بالمسلمين، وسلامة صدره، وما يكون منه من الإحسان كالعطف على الفقراء والضعفاء، وقضاء ديون المعسرين، وتفريج الكربات عن المكروبين فإنها سحائب رحمة من أرحم الراحمين.
يقف العبد بين يدي الله يوم القيامة، فتعظم عليه الذنوب وتكثر منه الخطايا والعيوب، فيقول الله عز وجل: إنه كان يتجاوز عن المعسرين، ونحن أحق بالتجاوز عنه، قد غفرت لعبدي وتجاوزت عنه.
قال (صلى الله عليه وسلم) أنه كان في من كان قبلكم رجل يديّن (يقرض) الناس، وكان يقول لغلمانه: إذا رأيتم معسرا فتجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، قال (صلى الله عليه وسلم): فوقف بين يدي الله، فقال الله عز وجل لملائكته: نحن أحق بالعفو من عبدي، قد غفرت لعبدي، وفي رواية قد تجاوزت عنه فاذهبوا به إلى الجنة.
فمن أسباب الرحمة رحمة العباد، والإحسان إليهم، وشملهم بالعفو والمغفرة، فمن عامل الناس بالسماحة عامله الله بالرحمة، والراحمون يرحمهم الله.
نسأل الله العظيم رب العرش الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن لا يفرق جمعنا هذا إلا بذنب مغفور.
اللهم أرحم ضعفنا واغفر ذنبنا، اللهم اغفر ذنبنا ما تقدم وما تأخر، وما ظهر وما بطن.
اللهم اغفر ذنوبنا واستر عيوبنا وفرج كروبنا وأحسن خاتمتنا وأجرنا من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، واعف عنا، وأرحم في موقف العرض يا أرحم الراحمين ذل مقامنا.
أقول قولي هذا وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم لي ولكم العفو والمغفرة، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
…………………………………
الأسئلة:
سؤال:
فضيلة الشيخ ما نصيحتكم لشخص عاص لوالدته لا يطيعها ويرفع صوته عليها وجزاكم الله خيرا.
جواب:
اللهم إنا نعوذ بك من العقوق، وأوصي الجميع ونفسي بتقوى الله عز وجل.
أوصي الجميع ونفسي ببر الوالدين، وأن لا ينسى الإنسان عهودا مضت، وأياما خلت من أم حليم رحيم طالما أحسنت إليه وأكرمته، وأن لا يقابل الإحسان إلا بالإحسان فما جزاء الإحسان إلا الإحسان.
يا هذا:
كم تعبت أمك، وكم شقيت وكم عانت، وكم رأت من شدائد وأهوال لا يعلمها إلا ذي العزة والجلال.
حملتك فكان بطنها لك وعاء، وثديها لك سقاء، وحجرها لك حواء.
كم عانت من أجلك، وكم كابدت في سبيل خروجك ورأت الموت أمام عينيها.
وما زلت كل يوم تزداد ثقلا إلى ثقل، وهي فرحة بقدومك مستبشرة بمجيئك لعل الله أن يقر عينها بك، فتبرها عند الكبر، وتحسن إليها عند الضعف، وتذكرها عند المشيب والكبر.
فلما دنت ساعة والدتك دنى الموت منها، فأشفقت على نفسها ورأت الأهوال فاستغاثت بربها حتى لو خيرت بين أن تموت وتخرج أنت سالما لاختارت موتها.
فلما خرجت وصحت صيحتك تبددت أحزانها وزالت أشجانها، وفرحت بك واستبشرت فنسيت جميع ما رأت وجميع ما كابدت، وكلها أمل أن تذكر منها ذلك ولا تنساه، وأن تقابله بالإحسان ولا تقابله بالإساءة، وأن تقابله بالكرامة لا بالمهانة.
فلما رق عظمها، وشاب شعرها، وخارت قواها وقفت في آخر عمرها فإذا بك قد وليتها ظهرك وأسمعتها ما يكون من عقوقك.
فويل لك من الله إن لم تتب إلى الله.
ويل لك من الله إن لم تُنب إلى ربك، وتقبل على أمك فتحسن من بعد إساءة، وتجثو على ركبتيك عندها وتقول:
أماه سامحيني في مضى، واغفري لي ما كان.
و إلا ستصيبك نقمة من الله.
قال يا رسول الله أقبلت من اليمن أبايعك على الهجرة والجهاد وتركت أبواي يبكيان وأريد الجنة.
قال (صلى الله عليه وسلم) أتريد الجنة؟
قال نعم، قال أرجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما ولك الجنة.
فارجع إلى أمك فأضحكها كما أبكيتها، وأحسن إليها ولا تسيء إليها.
بر الوالدين وخاصة الأم دين لا يستطيع الإنسان أن يقضيه، حتى ولو ماتت وخرجت من الدنيا فإنها أحوج ما تكون إلى دعوة صالحة، يذكرها أبنها والصالح من أولادها لعل الله أن يفسح لها في قبرها، فأسأل ربك لها الرحمة وأحسن إليها حية وميتة، وبرها صحيحة ومريضة والزم رجلها فإن الجنة ثم.
يا هذا:
باب من أبواب الجنة جعله الله لك فلا تغلقه في وجهك، أمك وما أدراك ما أمك، إن بررتها وخرجت من عندها وهي راضية عنك، فدعت لك دعوة فتحت لك بها أبوب السماوات.
أحسن إلى أمك لعل الله أن يحسن إليك، وأدعوك أن تنيب إلى ربك وأن تتذكر ما كان من فضلها عليك.
وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يرزقنا وإياكم البر وأن يعيذنا من العقوق.
اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى، يا إله الأولين والآخرين، ويا أرحم الراحمين، نسألك في هذا المجلس المبارك أن تسبغ شآبيب رحماتك على قبور آبائنا وأمهاتنا.
اللهم أشملهم بعفو منك وبر، نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن لا تدع واحدا منهم ضيقا في قبره إلا أفسحت له فيه وزدته نورا وفرحا وسرورا.
يا أرحم الراحمين اللهم اجزهم عن إحسانهم إلينا إحسانا، اللهم أحسن إليهم كما ربونا صغارا.
اللهم لا يغرف معروفهم إلا أنت، ولا يجزي إحسانهم أحد غيرك، اللهم أجعل درجاتهم في المهديين، واخلفهم في عقبهم في الغابرين، ونر لهم قبورهم وأفسح لهم فيها يا أرحم الراحمين.
اللهم ومن كان منهم حيا فأحسن خاتمته، وأطل في الطاعة أجله، وبارك في عمره وقوله وعمله يا رب العالمين، وأجزهم عنا خير الجزاء وأحسنه يا أرحم الراحمين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.
الشيخ: محمد مختار الشنقيطي
دمتم وانتم بأرقى حال واقرب الى الجنة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق