المقدمة
أبو عبدالرحمن مصلح زويد العتيبي
الحمد لله الذي خلق الإنسان من نطفة وطوره، وفي أحسن صورة أبدعه وجمله؛ وبالوالدين أوصاه وحذره .
والصلاة والسلام على من جاء بالتطوير ،وحرر الذوات من التصغير والتحقير.
نبه على إمكانية التغيير والتحسين في أكثر من مناسبة ؛من أشهرها وأوضحها قوله صلى الله عليه وسلم:(إنما العلم بالتعلم والحلم بالتحلم ). أما بعد
فإن المسلم إذا تأمل كلام الله سبحانه وتعالى وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم في الحث على بر الوالدين وشدة العناية بحقهما ؛ثم نظر بعد ذلك في حال غالب المسلمين مع والديهم وشدة التقصير في حقهما مع شدة الأمر ببرهما دعاه ذلك للخوف الشديد والحزن العظيم ؛ كيف قابلنا هذا الحث الأكيد بالإعراض الشديد ولا حول ولا قوة إلا بالله .
ومن منطلق الدعوة إلى التذكير بحق الوالدين والدعوة إلى برهما كتبت هذا الكتاب.
وليعذرني كل أب ولتعذرني كل أم إن لم يريا في كتابي وفاء لحقهما !
ولعل ما يريحني ويسليني أنه لا وفاء لحقهما وإن عظم العطاء إلا في حالة
واحدة خصها صلى الله عليه وسلم بقوله :(لا يجزي ولد والده إلا أن يجده مملوكاً فيعتقه ).
وقد كانت هذا الحقيقة راسخة في عهد الصحابة رضوان الله عليهم ؛فهذا رجل محرم قادم من بلاد بعيدة وقد جعل ظهره رحلاً لأمه مرة لحملها ومرة لقضاء حاجتها حتى قضت نسكها وأدت فرضها ؛فيلاقي الصحابي الجليل ابن عمر ويقص عليه قصته ويخبره خبره ؛ويسأله هل وفّى حقها وبلغ الغاية في برها ،وهو لا يشك في ذلك ؟
فكانت الإجابة التي لم تُمحى على مر السنين وطول الزمان !
قال : لا والذي نفسي بيده ،ولا بزفرة من زفراتها.
وليعذرني كل ابن ولتعذرني كل بنت إن رأيا في كلامي قسوة وشدة فالكلام عن الوالدين سبب الوجود ووصية الرب المعبود.
وليقبل أبوي العزيزين هذه الهدية عسى ربي أن يجعلها في ميزان حسناتي وحسناتهما فحبهما دعاني للكتابة ،ونصحهما بعد فضل ربي دلني على طريق الهداية ،ودعاؤهما بعد رحمة ربي أرجى آمالي لحسن العاقبة وجميل النهاية.
اللهم اغفر ما وقع فيها من خطأ وتقصير ،وأقبل ما جاء فيها من نصح وتذكير.
اللهم اجعلها من الزاد الباقي ،ولا تجعلها كنصيحة الشارب للساقي .
اللهم اجعلها خالصة فنرقى،ولا تجعلها مشوبة فنشقى .
اللهم ألن بها قلوب على الآباء والأمهات قاسية .
ربي لا حول ولا قوة لي إلا بك،فلا اعتماد لي إلا عليك ولا ناصر لي سواك
أنت ربي وحسبي ،فأول حول وقوة أبرأ إليك منها حولي وقوتي .
فلا تكلني إلى نفسي إلهي أبدا ولا إلى أحد من خلقك .وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تمهيد
بحسب علمي واطلاعي المتواضع ؛فإني لم أطلع على من تكلم عن تطوير الذات في فن التعامل مع الوالدين ؛هناك من تكلم عن تطوير الذات في التعامل بين الزوجين وعن تطوير الذات في التعامل مع الأبناء ،وعن تطوير الذات في التعامل مع الناس عموماً.
صحيح أن الكتابة عن فضل بر الوالدين وحرمت عقوقهما كثيرة مستفيضة .
لكن أن يُكتب عن إطار عام للتعامل مع الوالدين فلم أطلع على شيء من ذلك ؛ولا أعلم سبب لإغفال الكتابة في هذا الجانب الهام ؛فقد يرى بعض الناس وضوح هذا الجانب فلا داعي للكتابة فيه.
وقد حاولت جاهداً أن أقدم شيئاً نافعاً،وبذلت في ذلك وسعي مُستعيناً بربي متوكلاً عليه ؛فرسمت للموضوع إطاراً عاماً في ذهني انطلقت في الكتابة منه .
وكان مما حفزني على الكتابة رؤيتي الدائمة لوالدي حفظهما الله وعجزي عن بلوغ غاية البر التي أرجوها مهما بذلت ،واعترافي كغيري بالتقصير في هذا الحق العظيم.
فقلت لعل هذا الكتاب الذي أقدمه وسيلة من وسائل برهما .
ولما كانت مشاغل القراء كثيرة ؛وقل من يجد وقتاً كافياً للقراءة في هذا
الزمان حرصت على عدم الإطالة ولو رمتها لخرج الكتاب في ضعف حجمه الحالي على أقل تقدير .
بعد المقدمة والتمهيد تم تقسيم الكتاب الى :
مبحث هام :لماذا نطور ذواتنا في تعاملنا مع آبائنا وأمهاتنا.
الفصل الأول :عشر وقفات قبل الانطلاقة .
الفصل الثاني :القواعد المُثلى للتعامل مع الوالدين بالحُسنى .
الفصل الثالث :وصايا في فن التعامل مع الوالدين ،وفيه مبحثان :
1- المبحث الأول : وصايا في فن التعامل مع الوالدين في حياتهما.
2- المبحث الثاني : وصايا في فن التعامل مع الوالدين بعد موتهما .
الفصل الرابع: عوائق في طريق البر ؛وفيه مبحثان :
1- المبحث الأول : عوائق من صنع الوالدين .
2- المبحث الثاني : عوائق من صنع الأولاد.
وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجد القارئ الكريم في هذا الكتاب عوناً له على بر والديه ،ودليلاً واضحاً سهلاً في حسن التعامل معهما ،والحمدلله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً والصلاة والسلام على النبي المختار وآله وصحبه الطاهرين الأبرار والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم المعاد .
مبحث هام !
لماذا نطور ذواتنا في تعاملنا مع آبائنا وأمهاتنا ؟
إذا أردت أن تطور ذاتك في مجال معين فلن يتم لك ذلك بصورة صحيحة إلا بعد خطوتين هامتين:
الخطوة الأولى:أن تعترف أن لديك قصور في هذا المجال ؛فإذا لم يكن لديك قصور في هذا المجال أو لم تعترف به فلن تحقق الفائدة المرجوة من أي برنامج تلتحق به أو أي كتاب تقرأه فيه.
الخطوة الثانية:أن يكون هذا المجال له أهمية في حياتك سواء دينية أو اجتماعية أو اقتصادية أو غير ذلك ؛وأن ترجو أن يعود عليك بالنفع.
فعندما يتم الإعلان مثلاً عن دورة للمعلمين في فن التعامل مع الطلاب فإنه من غير المُجدي أن يلتحق بهذه الدورة فني سيارات.
فهذا الفني سوف يصرف وقتاً ومالاً وجهداً في أمر أهميته محدودة في حياته فهو يتعامل مع السيارات غالب يومه وليس مع الطلاب؛ فالأنفع له أن يحضر دورات في مجال عمله.وعلى هذا المثال فقس.
إذا كان الأمر كذلك فهل نحن بحاجة لتطوير ذواتنا في تعاملنا مع آبائنا وأمهاتنا ؟
من منا ليس لديه تقصير في تعامله مع والديه !
ومن منا يقول أن حسن تعامله مع والديه ليس له أهمية في حياته ولا يعود عليه بالنفع !
أخي الكريم:إذا كنت لا تعرف قدر والديك فأسأل من فقد والديه !
وإذا جهلت عقوبة عقوقهما ؛فانظر في حال ومآل من عقهما !
وإذا سئمت من مرضهما وكثرة مطالبهما ؛فاعلم أنك كما تدين تدان !
وإذا كان والديك من أهل المعاصي ؛فقد كان إبراهيم الخليل باراً بوالده زعيم الكفر !
وإذا كنت تريد الجنة وتسعى لها ؛فقد قال صلى الله عليه وسلم :(الزم رجلها فثم الجنة).
وإذا كنت تشتاق إلى الجهاد في سبيل الله وبذل الروح رخيصة فيه؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم:(ففيهما فجاهد ).
وإذا كنت تريد برهما ولا تحسن ذلك ؛فإني أقدم لك هذا الكتاب(تطوير الذات في فن التعامل مع الآباء والأمهات )عسى أن تجد فيه معيناً ودليلاً.
يتبع الموضوع بعد المقدمة الجزء الأول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق