سلسلة : فوائد وفرائد في إطالة العمر
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، أما بعد ،،،،
* والكتاب المذكور يتكون من ثلاثة فصول ، بدأ المؤلف – وفقه الله – ببيان أهمية الموضوع وأن الهدف الذي من أجله خلق الإنسان هو عبادة الرحمن وعصيان الهوى والشيطان والحرص على استثمار الأوقات المحدودة بالعمل الصالح الذي يرفع من درجاته في الجنة وكسب أكبر قدر ممكن من الحسنات فإذا كان كذلك دعا الله جل وعلا أن يطيل عمره وأن يحسن عمله فقد قال صلى الله عليه وسلم لرجل سأله : أي الناس خير ؟ فقال صلى الله عليه وسلم " من طال عمره وحسن عمله " [ صححه الألباني في صحيح الجامع 3297] .
وأما إذا خشي في حياته الفتنة فيدعو بدعائه صلى الله عليه وسلم " اللهم إني أسألك فعل الخيرات ، وترك المنكرات ، وحب المساكين ، وأن تغفر لي وترحمني وإذا أردت فتنة في قوم فتوفني غير مفتون وأسألك حبك وحب من يحبك وحب عمل يقربني إلى حبك " [ صحيح الجامع 59 ] .
وهذا لا يعارض قوله صلى الله عليه وسلم " لا يتمنى أحدكم الموت ، إما محسنا فلعله يزداد ، وإما مسيئا فلعله يستعتب " [رواه البخاري] ، فتمني الموت مباح عند حصول ضرر يفتن في الدين ، قال صلى الله عليه وسلم " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لابد متمنيا للموت فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيرا لي [ متفق عليه]
· ثم بين المؤلف أن متوسط الزمن الإنتاجي للإنسان قد لا يتجاوز عشرين سنة من عمره الكلي لأن متوسط أعمار أمة محمد ما بين ستين إلى سبعين ،
1- فثلث العمر يقضيه ابن آدم في النوم
2-وخمسة عشر سنة من عمره غير مكلف غالبا بالإضافة إلى ما يمضي من عمره في المباحات والأمور الملحة ،
3-فلا يبقى إلا الثلث من عمره تقريبا فأصبح من الضرورة الأخذ بالأسباب المطيلة للعمر لزيادة عمره الإنتاجي .
" وهنا لي وقفة ..
وهي التذكير بأن الإنسان يمكنه أن يسعى في الحفاظ على عمره وذلك
1 بإصلاح النية .
2واحتساب الأجر.
حتى في النوم وسائر أموره المباحة وإن كانت شهوات كما دلت على ذلك السنة وقد كان من السلف من يقول إني لأحتسب نومتي وقومتي ، وذلك بأن يجعل له فيها نية صالحة فإن النية شأنها عظيم وقدرها جليل ، وبذلك يكون عمره كله له لا عليه بإذنه تعالى " [ هذه الفقرة من إضافتي ]
* ثم شرع المؤلف في بيان مفهوم إطالة العمر وذكر قوله صلى الله عليه وسلم " من أحب أن يُبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " [ متفق عليه ]
ثم سرد أقوال العلماء في معنى إطالة العمر الواردة في الحديث وهي كما يلي :
الاول
قال الإمام النووي رحمه الله تعالى " والأثر : الأجل ، لأنه تابع للحياة في أثرها وبسط الرزق : توسيعه وكثرته ، وقيل : البركة فيه ، وأما التأخير في الأجل ففيه سؤال مشهور ، وهو أن الآجال والأرزاق مقدرة لا تزيد ولا تنقص " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " [ الأعراف 34] وأجاب العلماء بأجوبة الصحيح منها : أن هذه الزيادة بالبركة في عمره ، والتوفيق للطاعات ، وعمارة أوقاته بما ينفعه بما ينفعه في الآخرة ، وصيانتها عن الضياع في غير ذلك
والثاني :
أنه بالنسبة إلى ما يظهر للملائكة وفي اللوح المحفوظ ونحو ذلك ، فيظهر لهم في اللوح أن عمره ستون سنة إلا أن يصل رحمه ، فإن وصلها زيد له أربعون وقد علم الله سبحانه وتعالى ما سيقع له من ذلك وهو من معنى قوله تعالى " يمحو الله ما يشاء ويثبت " [الرعد 39] فيه النسبة إلى علم الله تعالى وما سبق به قدره ولا زيادة بل هي مستحيلة ، وبالنسبة إلى ماظهر للمخلوقين تتصور الزيادة وهو مراد الحديث .
والثالث :
أن المراد بقاء ذكره الجميل بعده فكأنه لم يمت ، حكاه القاضي وهو ضعيف أو باطل والله أعلم " [ صحيح مسلم بشرح النووي 16/114]
وقال الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى : وأما قوله تعالى : " وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره ...." [فاطر 11] فقد قيل أن المراد الجنس أي ما يعمر من عمر إنسان ولا ينقص من عمر إنسان ، ثم التعمير والتقصير يراد به شيئان : أحدهما أن هذا يطول عمره وهذا يقصر عمره ، فيكون تقصيره نقصا له بالنسبة إلى غيره كما أن التعمير زيادة بالنسبة إلى آخر
وقد يراد بالنقص : النقص من العمر المكتوب ، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه" وقد قال بعض الناس : أن المراد به البركة في العمر بأن يعمل في الزمن القصير ما لا يعمله غيره في الكثير ، قالوا لأن الرزق والأجل مقدران مكتوبان فيقال لهؤلاء تلك البركة ـ وهي الزيادة في العمل والنفع ـ هي أيضا مقدرة مكتوبة وتتناول لجميع الأشياء ، والجواب المحقق : أن الله يكتب للعبد أجلا في صحف الملائكة فإذا وصل رحمه زاد في ذلك المكتوب وإن عمل ما يوجب النقص نقص من ذلك المكتوب ونظير هذا ما في الترمذي وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم " أن آدم لما طلب من الله أن يريه صورة الأنبياء من ذريته فأراه إياهم فرأى فيهم رجلا له بصيص ، فقال : من هذا يا رب ؟ فقال ابنك داود ، قال : فكم عمره ؟ قال : أربعون سنة ، قال : وكم عمري ؟ قال : ألف سنة ، قال فقد وهبت له من عمري ستين سنة ، فكُتب عليه كتاب وشهدت عليه الملائكة ، فلما حضرته الوفاة قال : قد بقي من عمري ستون سنة ، قالوا : وهبتها لابنك داود ، فأنكر ذلك فأخرجوا الكتاب ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : فنسي آدم فنسيت ذريته وجحد آدم فجحدت ذريته " [صححه الألباني في صحيح الجامع 5209]
وروي أنه كمل لآدم عمره ولداود عمره ، فهذا داود كان عمره المكتوب أربعين سنة ثم جعله ستين ، وهذا معنى ما روي عن عمر أنه قال " اللهم إن كنت كتبتني شقيا فامحني واكتبني سعيدا فإنك تمحو ما تشاء وتثبت " والله سبحانه عالم بما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف يكون ، فهو يعلم ما كتبه له وما يزيده إياه بعد ذلك والملائكة لا علم لهم إلا ما علمهم الله ، والله يعلم الأشياء قبل كونها وبعد كونها فلهذا قال العلماء أن المحو والإثبات في صحف الملائكة ، وأما علم الله سبحانه فلا يختلف ولا يبدو له ما لم يكن عالما به فلا محو فيه ولا إثبات ... ا. هـ ، وقال في موضع آخر "
والأجل أجلان :
1- أجل مطلق يعلمه الله
2-وأجل مقيد ،
وبهذا يتبين معنى قوله صلى الله عليه وسلم " من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " فإن الله أمر الملك أن يكتب له أجلا وقال " إن وصل رحمه زدته كذا وكذا " والملك لا يعلم أيزداد أم لا لكن الله يعلم ما يستقر عليه الأمر فإذا جاء ذلك لا يتقدم ولا يتأخر " ا . هـ [ مجمع الفتاوى لابن تيمية ]
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى : " قال ابن التين : ظاهر الحديث يعارض قوله تعالى " فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " [سورة الأعراف 34] والجمع بينهما من وجهين :
أحدهما:
أن هذه الزيادة كناية عن البركة في العمر بسبب التوفيق إلى الطاعة وعمارة وقته بما ينفع في الآخرة ، وصيانته عن تضييعه في غير ذلك .
ومثل هذا ما جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم تقاصر أعمار أمته بالنسبة لأعمار من مضى من الأمم فأعطاه الله ليلة القدر ، وحاصله أن صلة الرحم تكون سببا للتوفيق للطاعة والصيانة عن المعصية فيبقى بعده الذكر الجميل ، فكأنه لم يمت ومن جملة ما يحصل له من التوفيق العلم الذي ينتفع به من بعده والصدقة الجارية عليه والخلف الصالح .
ثانيهما :
أن الزيادة على حقيقتها وذلك بالنسبة إلى علم الملك الموكل بالعمر ، أما الأول الذي دلت عليه الآية فبالنسبة إلى علم الله تعالى كأن يقال للملك مثلا : إن عمر فلان مائة مثلا إن وصل رحمه وستون إن قطعها وقد سبق في علم الله أنه يصل أو يقطع فالذي في علم الله لا يتقدم ولا يتأخر ، والذي في علم الملك هو الذي يمكن فيه الزيادة و النقص ، وإليه الإشارة بقوله تعالى " يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب [الرعد 39] فالمحو والإثبات بالنسبة لما في علم الملك وما في أم الكتاب هو الذي في علم الله تعالى فلا محو فيه البتة ، ويقال له القضاء المبرم ، ويقال للأول القضاء المعلق ، والوجه الأول أليق بلفظ حديث الباب ، فإن الأثر ما يتبع الشيء ، فإذا أخر حسُن أن يحمل على الذكر الحسن بعد فقد المذكور ، وقال الطيبي : الوجه الأول أظهر ... الخ ، ا هـ [ فتح الباري 10/429]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق